عن تونس في الجزائر

21 ديسمبر 2022
تبون وسعيد في الجزائر، نوفمبر الماضي (Getty)
+ الخط -

لأسباب كثيرة، تاريخية وسياسية ومجتمعية، يبدو الاهتمام الجزائري، على صعيد النخب والشعب والدولة، بكل التطورات في تونس وفي كل مراحل التاريخ السياسي، مفهوماً.

ويجد ذلك تفسيراً في مسطرة تاريخية، عندما وجدت الجزائر في تونس مرتكزاً كبيراً وعضداً خلال حركة التحرر وثورة التحرير، وفي حركة التنقل الكثيفة بين البلدين، وفي طبيعة الجغرافيا، ومقتضيات الأمن السياسي والقومي المشترك.

لذلك، يحدث في الغالب اهتمام مبالغ فيه في الجزائر بالشأن التونسي، وزاد الاهتمام بتونس بعد ثورة 2011، ومع نشوء تجربة انتقال ديمقراطي اتخذت النخب السياسية في الجزائر من بعض مخرجاتها أفكاراً أسست عليها أرضية مطالباتها بانتقال ديمقراطي في الجزائر.

وبرز ذلك خصوصاً في مؤتمر المعارضة الذي عُقد في مزفران (منطقة في الضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية)، في يونيو/ حزيران 2014، واستقت منها مطالب حيوية كإنشاء هيئة مستقلة للانتخابات. كما كانت التجربة التونسية محل فحص لأداء الإسلاميين كطرف في الحكم أو شريك في الحكومة، ومدى تطور فكرهم السياسي في علاقة بالمسألة الديمقراطية.

في المقابل، تعاملت السلطة الجزائرية مع التجربة التونسية على نحو حذر، إذ لم تكن السلطة في الجزائر مطمئنة للحالة الديمقراطية التونسية، على الرغم من الضمانات من مؤسسات الحكم بأن "الثورة التونسية غير قابلة للتصدير"، وعلاقاتها القوية مع الأطراف الفاعلة (حركة النهضة واتحاد الشغل).

قد يكون مرد عدم اطمئنان النظام الجزائري لكونه لم يكن مستعداً نسبياً لقبول قيام ديمقراطية عالية السقف والحريات في الجوار، لكن أكثر من ذلك بسبب القلق من محاولات إحداث قطيعة مع نسق الدولة الوطنية ورموزها في تونس، وإلى قراءات استباقية استشرفت المآلات بسبب الحفر الخاطئ للديمقراطية التونسية في عظم الدولة ومؤسساتها، ما زاد من هشاشتها، بدلاً من التركيز على تفكيك التشابك الذي كان قائماً بين الفساد والفقر، والحفر لأجل تحقيق المنجز الاقتصادي والاجتماعي.

لم تبد الجزائر محاربة للديمقراطية التونسية، بل تعاملت معها بشكل مرن، لكن ثمة حادثة يمكن أن تفسر المواقف الجزائرية الراهنة من خيارات الرئيس قيس سعيّد. خلال لقاء جرى بينهما عام 2014، نحى الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة باللائمة على راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، التي كانت في الحكم (حتى وإن كانت قد خرجت من الحكومة حينها) بشأن اختيار النظام البرلماني في الدستور، بدلاً من النظام الرئاسي.

في الواقع كان بوتفليقة يفكر بصوت عالٍ ومعلن، باسم العقل السياسي لصانع القرار في الجزائر، فقد كان الخوف من فقدان مركزية واحدة للحكم في تونس، وتوزع السلطات بين ثلاثة مراكز (الرئاسة والحكومة والبرلمان)، يثير حفيظة الجزائر، إذ يعقّد ذلك إمكانات التفاهم حول القضايا الاستراتيجية التي تخص البلدين.

يفسر ذلك نسبياً لماذا تحمّست السلطة الجزائرية لدستور قيس سعيّد، لسبب واحد وهو أنه أعاد صياغة الحكم لصالح النظام الرئاسي فحسب، وهذا يريحها أكثر.

غير أنه وبعكس ما يعتقد الكثيرون، تبدو كواليس السلطة في الجزائر أكثر قلقاً من المآل التونسي بسبب سعيّد نفسه، والذي وفّر بعد القمة الفرنكوفونية نقطة ارتكاز أكبر لفرنسا، بشكل يعاكس تماماً توجيه الجزائر لجهدها الإقليمي نحو استبعاد الهيمنة والحضور الفرنسيين في المنطقة والساحل.

كما أن الوضع التونسي الحالي هو أكثر كلفة بالنسبة للجزائر التي سيكون عليها مرافقة الجارة الشرقية لعبور أزمتها الاقتصادية وإسنادها المادي منعاً للانهيار الداخلي. ثمة الكثير من النقاش الصامت عن تونس ما بعد سعيّد.