ليبرمان مكافأة إسرائيل للسيسي

25 مايو 2016

نتنياهو يختار ليبرمان وزيراً للحرب بعد "مبادرة" السيسي (Getty)

+ الخط -

فور الإعلان عن اتجاه حكومة الاحتلال الصهيوني إلى تعيين أفيغدور ليبرمان وزيراً للحرب، عقب خطاب عبد الفتاح السيسي في خيمة أسيوط الزرقاء، اعتبر محللون ومعلقون تلك الخطوة رداً مهيناً من رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، على السيسي الذي عرض سلاماً دافئاً، بالمجان، على الإسرائيليين.

بنى بعضهم هذا الرأي على مجموعة من العناصر، بعضها يخص شخصية ليبرمان، اليميني الصهيوني المتطرّف، منها أنه الرجل الذي هدّد يوماً بتدمير السد العالي، وكذلك هو الأكثر غلاً وكراهية ضد الشعب الفلسطيني، والأشد شبقاً لقصف غزة وهدمها، وصاحب الآراء العنصرية المعروفة تجاه الفلسطينيين والعرب عامة.. ويخلص هؤلاء إلى أن طرح اسمه وزيراً للحرب، في لحظة سلامٍ سيسيةٍ، حميميةٍ وساخنة، هو صفعة لعبد الفتاح السيسي واستهانة بمبادرته، وكأن الأخير يمثل تصوراً أو طرحاً مغايراً ومناقضاً لأفكار ليبرمان واتجاهاته، أو أنهما ضدان مختلفان، وهو ما تنفيه كل المجريات والتطورات المتلاحقة.

هناك معطياتٌ لا ينبغي إهمالها عند التوقف أمام  ليبرمان، المتطرّف، زعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، ومنها أن تعيينه وزيراً للحرب يأتي في سياق التقارب الروسي - الإسرائيلي غير المسبوق، والذي تجسّد في مواقف عديدة، في مقدمها التنسيق والتعاون في الحرب التي يقودها الروس في سورية، لتثبيت حكم بشار الأسد، فالوزير الجديد ذو الأصول الروسية، والذي تصفه وسائل الإعلام في بلد المنشأ بـ"البعبع الروسي"، يعبر عن لحظةٍ مفصليةٍ في نضوج العلاقات بين موسكو وتل أبيب، بدأت بشائرها منذ زيارة بوتين إلى الكيان الصهيوني، عام 2012، والتي تطرّق جزء كبير منها إلى أوضاع الإسرائيليين من أصول سوفييتية.

يلتقي السيسي مع ليبرمان في أمور كثيرة، تتجاوز أن السيسي حقق رغبة قديمة للوزير الصهيوني المتطرف، وهي تدمير السد العالي، وإخراجه من الخدمة، من دون طلقة رصاص واحدة، كما أعلن وزير كهرباء السيسي، صراحةً، فالثابت أنه يشاطره تلك الكراهية المرضيّة لقطاع غزة وللمقاومة الفلسطينية، وإذا كان السيسي يستمتع بقصف كل بيت مقاوم في غزة وتدميره، كما وصف معلق صهيوني، فإن ليبرمان هو من دعا خلال الحرب إلى إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة، لتدميره بالكامل، والتخلص من وصف العالم إسرائيل دولة احتلال.

دفع هذا الأمر المعلقين الإسرائيليين إلى الذهاب إلى أن تصعيد ليبرمان وزيراً للدفاع في دولة الاحتلال يعني مزيداً من الشراسة ضد الفلسطينيين، خصوصاً مع استمرار التعاون بين تل أبيب من جانب، وكل من القاهرة وعمّان من جانب آخر، ما يعني، في النهاية، مزيداً من الحصار المفروض على صانع القرار الفلسطيني، حتى يرضخ لما تريده إسرائيل، وكلفت السيسي بالإعلان عنه في خطاب أسيوط.

يمكنك أن تضيف إلى ذلك أن ليبرمان روسي بوتيني، بحكم العرق والمولد، والسيسي بوتيني، بحكم التبعية والمصلحة الشخصية، فلا غرابة، إذن، أن يتزامن تصعيد نجم اليمين الصهيوني المتطرّف، وزيراً للدفاع، مع تعويم نجم اليمين الانقلابي المتطرف في مصر، داخل بحيرة القرض الروسي، أو بالأحرى إغراق مستقبل مصر في خضم الارتهان الاقتصادي الكامل للمشيئة الروسية.

وعلى ذلك، تنطق الوقائع على الأرض بأن السيسي أقرب، من حيث القيم والأفكار، إلى وزير الحرب الجديد، منه إلى بنيامين نتنياهو، وبالتالي، ليس من قبيل الغلو أو التعسف أن نرى في تعيين ليبرمان مكافأة من الدوائر الإسرائيلية للجنرال السيسي، وليس عقوبةً فوريةً أو نزوعاً لإحراجه، أو رداً غليظاً على مبادرته البائسة، هذا إن اعتبرنا أن ما جاء به في أسيوط من عندياته، وليس نصاً عبرياً ترجموه له إلى العربية، لكي يقرأه في "خطبة الكهرباء".

ويضيف لنا السفير الإسرائيلي الأسبق في القاهرة، تسفي ميزئيل، دليلاً آخر على هذا التماهي التام بين اليمين الانقلابي (السيسي) واليمين الصهيوني المتطرف (ليبرمان)، حين يحذّر وسائل الإعلام الإسرائيلية من الاستمرار في تناول السيسي عميلاً لهم، مشدّداً على أنه من مصلحة الصهاينة أن يتم النظر إلى رجلهم في مصر بإيجابية، ويقول نصاً "السيسي يقدم لنا خدمات جليلة، فلم يحدث أن ندّد بأي عمل قمنا به ضد الفلسطينيين".

باختصار شديد: ليبرمان والسيسي يد واحدة، ومعهما نتنياهو.

 

 

 

 

وائل قنديل (العربي الجديد)
وائل قنديل
كاتب صحافي مصري من أسرة "العربي الجديد" عروبي الهوية يؤمن بأنّ فلسطين قضية القضايا وأنّ الربيع العربي كان ولا يزال وسيبقى أروع ما أنجزته شعوب الأمة