عصابات تجارة الكهرباء تفاقم معيشة السوريين

24 سبتمبر 2024
غرفة مضاءة بشمعة أثناء انقطاع الكهرباء بمناطق خاضعة للنظام (هديل أمير/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تدهور وضع الكهرباء في سوريا: أعلنت وزارة الكهرباء في دمشق أن التقنين لن يتحسن، مما دفع السوريين للجوء إلى حلول بديلة مثل كهرباء "الأمبيرات". حجم التوليد الحالي لا يتجاوز 2000-2001 ميغاواط بسبب نقص توريدات حوامل الطاقة.

- تراجع إنتاج الكهرباء منذ عام 2011: أشار المتخصص عبد الجليل السعيد إلى تراجع الإنتاج من 50 مليار كيلوواط ساعي في 2011 إلى 12.900 مليار كيلوواط ساعي في 2022، مما أدى إلى تقنين الكهرباء بشكل كبير.

- تكاليف خدمة الأمبيرات وتأثيرها على المواطنين: أصبحت خدمة "الأمبيرات" ضرورة ملحة، حيث تصل تكاليفها إلى مليوني ليرة سورية شهرياً، مما يعادل ثمانية أضعاف الحد الأدنى للأجور، وزاد من معاناة المواطنين الاقتصادية.

"التقنين لن يتحسن حالياً وهذه هي الإمكانات المتاحة"، هذا آخر تصريح خرج من وزارة الكهرباء في دمشق، ما بدد آمال السوريين بتغيّر الوضع خلال الشتاء، وعمّق توجههم إلى حل كهرباء "الأمبيرات" التي تباع على الطرقات، ولو بكمية محدودة تناسب دخلهم، علها تنير عتمة المنازل وتشغّل التلفاز، لينصرفوا إلى همومهم المعاشية والخدمية المتردية.

مصدر في وزارة الكهرباء، رفض ذكر اسمه، قال أخيرا إن توريدات حوامل الطاقة لم تتغير، ولا تزال عند 6.5 ملايين متر مكعب من الغاز ونحو خمسة آلاف طن من مادة الفيول، وعليه لا تغير في حجم التوليد لأنه مقترن بحوامل الطاقة.

حاول المصدر الكهربائي التبرير، وفق ما نشرت صحيفة "الوطن" المقربة من النظام، قائلا إن حاجة المحطات خلال الفترة الحالية لحدود ثمانية آلاف طن فيول، في حين المتاح من حوامل الطاقة حالياً يسمح بتوليد ما بين 2000 و2001 ميغاواط.

تراجع إنتاج الكهرباء

يصف المتخصص بقطاع الكهرباء عبد الجليل السعيد وضع الكهرباء، إنتاجاً وتوزيعاً، بالأسوأ منذ عقود، بعدما تراجع إنتاج الكهرباء إلى ما قبل عام 1990، حيث بلغ العام الماضي 12.900 مليار كيلوواط ساعي، متراجعاً عن إنتاج عام 2022 بنحو 29% والبالغ 18300 مليار كيلوواط ساعي، وهذا التراجع قياساً مع عام 2011، مطلع الثورة، بنحو 75%، أي عدنا أكثر من 30 عاماً للوراء على صعيد الإنتاج، وربما التوزيع أسوأ من عام 1990، فالتيار لا يعمل أكثر من أربع ساعات يومياً لمعظم المنازل السورية، والحال أكثر سوءاً على المنشآت التي تشتري كهرباء ذهبية بأسعار مضاعفة.

ويفصّل السعيد، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن سورية وصلت للاكتفاء الذاتي منذ عام 1990، بل وبعد ذاك بدأت تصدر لبعض دول الجوار، والتوسع العمراني والصناعي واكبه توسع كبير وزيادة بمحطات التوليد ليصل الإنتاج عام 2011 إلى نحو 50 مليار كيلوواط ساعي، قبل أن تبدأ خسائر الوزارة وتعطيل المحطات وتراجع إنتاج النفط واستيراد الفيول، لتبدأ سلسلة التراجع بالإنتاج منذ عام 2012 ليبلغ أقصاه عام 2016 حينما تراجع إلى 17.600 مليارواط ساعي، ويستقر أو يتزايد قليلاً، لتعود الأزمة الخانقة منذ عام 2019 وصولاً للعام الماضي إلى 12.900 مليار كيلوواط ساعي من إنتاج مؤسسة توليد الكهرباء، والباقي من محطات بوزارة النفط ووزارة الموارد المائية.

من جهته، يتساءل الموظف بالقطاع الحكومي من حي دمر بدمشق محمد جلول عن وعود وزارة الكهرباء وإعلانها خطة على مدى ثلاث سنوات تنتهي عام 2023، تنجز خلالها الصيانة وإصلاح المحطات وتزيد الإنتاج والتوزيع وتشهد سورية تحسناً كبيراً، خاصة بعد إدخال مجموعتين من محطة توليد حلب الحرارية، وإنشاء محطات جديدة وتوسع محطة "الدير علي"، جنوب دمشق، وبناء محطة "الرستين" في اللاذقية.

ولكن، يضيف جلول في اتصال مع "العربي الجديد"، يبدو أن وضع التقنين راق للحكومة، بل وتزداد ساعات القطع وتنتشر محطات التوليد بالشوارع وعلى مفارق الطرق، حتى وسط العاصمة دمشق، لتبيع "الأمبيرات" للبيوت.
وعن ساعات التقنين، يفيد الموظف الحكومي بأن المتوقع أن يزيد التقنين خلال فصل الشتاء، لكنه الآن يطاول جميع أحياء دمشق، وإن بتفاوت، ففي الأحياء الراقية (مزة، ميسات)، أربع ساعات قطع مقابل ساعتي وصل، الأقل رقياً مثل حي "برزة" خمس ساعات قطع مقابل ساعة وصل، ومثلها أحياء صحنايا وجرامانا ودمر.

تكاليف خدمة الأمبيرات

سألنا الموظف السوري جلول عن هوية المستثمرين بقطاع توليد الكهرباء "الأمبيرات"، فقال "ليسوا من علية القوم" بل مقاولين ورجال أعمال "صغار" يتقدمون للحصول على رخصة من المجلس المحلي (بلدية أو محافظة)، ويشترون مولدات "حديثة" معتدلة باستهلاكها وصوتها، ويكون السعر بالتوافق وبناء على سعر المازوت وزيادة الطلب، فقد "رفعوا قبل يومين اشتراك المدينة الجامعية للغرفة الواحدة من ثمانية آلاف إلى 20 ألف ليرة".
ويشرح جلول أن مستثمري الأمبيرات يصلون التيار لمدخل البيت، ويتكفل السكان بالتمديد والتوزيع، ويتم الاشتراك بحسب ملاءة كل أسرة ودخلها، فهو يبدأ من مئة ألف ليرة للمنزل وينتهي ربما بالملايين.
وكان مركز "قاسيون" بدمشق قد قدر تكاليف "الأمبيرات" في سورية بنحو مليوني ليرة، وهو ما يعادل ثمانية أضعاف الحد الأدنى للأجور، مؤكداً في دراسة اطلعت عليها "العربي الجديد"، أن الانقطاع شبه التام للكهرباء والتقنين الذي يمتد لساعات طويلة يوميًا، أدخل "نظام الأمبيرات" إلى المحافظات السورية وأصبح ضرورة ملحة، الأمر الذي أجبر المواطنين على دفع مبالغ طائلة للحصول على الحد الأدنى من الكهرباء.

وحسب "قاسيون"، فإن الاستهلاك اليومي للأمبيرات بالنسبة للعائلة السورية كحد أدنى (ثلاجة، شاشة، إنارة، مروحتان، لابتوب، وبقية الأدوات الكهربائية)، يصل إلى نحو 5.2 كيلوواط يومياً. وعلى افتراض أن سعر الكيلوواط ساعي الواحد يعادل 14 ألف ليرة سورية، فإن فاتورة الاستهلاك اليومي للأسرة ستصل إلى 72.800 ليرة سورية يومياً ومليونين و184 ألف ليرة شهرياً، أي نحو ثمانية أضعاف الحد الأدنى الرسمي للأجور في سورية والبالغ 278 ألفاً و910 ليرات شهرياً.
وتواصلت "العربي الجديد" مع مصادر من ريف دمشق، فأكدت جميعها ارتفاع سعر الأمبيرات من تسعة إلى 11 أو 12 ألف ليرة، وربما ترتفع الأسعار مرة أخرى بواقع شح المازوت وارتفاع سعر الليتر بالسوق السوداء إلى 20 ألف ليرة.

السوق السوداء

يصف المستشار الاقتصادي السوري أسامة قاضي معيشة السوريين في وطنهم بالمستأجرين أو نزلاء الفنادق، مع فارق عدم الحماية التي يتمتع بها النزلاء أو الخدمات المتوفرة لهم.

فالسوريون مضطرون لدفع أسعار المياه والمحروقات وفق أسعار السوق السوداء، ومضطرون لشراء الأمبيرات من التجار (إن لم ندقق بمن هم تجار الكهرباء ولصالح من يعملون) ويشترون المنتجات الاستهلاكية وفق تبدلات سعر الدولار، ولكن بالمقابل، يتقاضون أقل أجر في العالم لا يصل 300 ألف ليرة (نحو 20 دولاراً) شهريا، في حين أن متوسط الإنفاق للأسرة يبلغ نحو 13 مليون ليرة، حسب مركز "قاسيون" عن شهر أغسطس/ آب الماضي.

ويتساءل قاضي خلال حديثه لـ"العربي الجديد" قائلاً: طالما أن المحروقات متوفرة وسط الطرقات، وكهرباء الأمبيرات تصل إلى البيوت، فلماذا لا تدخل حكومة بشار الأسد بهذه الخدمات، وتؤمنها للسوريين وتمنع الاحتكار والتحكم بالخدمة والأسعار؟ ويضيف أن "بقاء نظام الأسد مرتبط ببقاء جميع المافيات، مافيا النفط والطاقة، مافيا استيراد الغذاء والتحكم بالسوق، مافيا الصيرفة واللعب بالدولار... ومافيا المخدرات وتجارة الكبتاغون، وللأسف، رغم معرفة العالم بأسره هذا الواقع، نرى التسابق والهرولة لإعادة إنتاج النظام وتسويقه مجدداً".

المساهمون