يسار إلى ما لا نهاية

18 ديسمبر 2014
الثورة قامت لاعتبارات اجتماعية قبل أي شيء
+ الخط -

"كنت في الاشتراكيين الثوريين، وبعد كدا عملنا حركة مقاومة، وبعدها عملنا تيار التجديد الاشتراكي، وبعد الثورة عملنا كتلة أكبر تجمع لليسار في حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، وبعد كدا اختلفنا مع قيادته، وكل واحد شغال وبيحفر في مساره بس مفيش حاجة حقيقية تقدر تقول عليها تجميعة لنا، حتى الآن".

هذه الكلمات لم تكن في حوار فعليّ، لكنها واقع يعرفه كل من عمل مع تنظيمات اليسار وأحزابه، إنه ينقسم إلى ما لا نهاية.

في تقديري إن الثورة قامت لاعتبارات اجتماعية قبل أي شيء، وكل ما عدا ذلك الاعتبار فإنه على هامش الاجتماع، لا بمحاذاته حتى، ويرفع اليسار من شأن المطالب الاجتماعية باستمرار ويدعمها ويشارك بها، حتى الشعارات التي اتخذتها الثورة بوصلة لها "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية" فهي يسارية القَوْلبَة، وإن اشترك غيره في المناداة بها، ولم يرفع أحد المطالب الاجتماعية في قلب الحراك الوطني ضد المخلوع بقدر اليسار، على تنوعه وتعدد راياته، إلا أن شبابه الذي ملأ الوطن صخبا لأجل "العيش" خفت دوره كباقي الشباب الفاعل في فترة ما قبل الثورة إلى ما بعد انتخابات رئاستها.

ينطبق على شباب اليسار ما ذكرناه من قبل عن شباب الإخوان السابقين، X إخوان، وما لاقوه من تعنت واصطدام بالقيادات العجوزة من اليسار، وأيضا التشويه الذي تعرض له الشباب ككل، في فترة ما بعد التنحي حتى الآن، إلا أن هناك ما يتعلق بإدارة الخلاف داخل التيارات والحركات والأحزاب اليسارية، الذي يتحول سريعا لمفاصلة وقطيعة، كأننا أمام مفهوم المفاصلة والاستعلاء بالذات، والعزلة الشعورية.. وما شابه ذلك من ألفاظ تنتشر على ألسنة شرائح من الإسلاميين الذين يسلّمون تسليما كبيرا بما كتب سيد قطب، فكأننا أمام شخص "قطبي" كما يُقال، وإن كنت لا أحب هكذا تسمية، إلا أنه يساري لا إسلامي.

قد أتصور وأفهم ما يستدعي تلك المفاصلة والانقسامات التي تجتاح اليسار للدرجة التي تجعلها خبرا عاديا، ولا يبقى سوى مخاصمة الإنسان لنفسه، وقد يكون مقبولا في أحيان أن يصل الأمر للمفارقة الحركية، إلا أن غير المقبول تعددها بذلك الشكل، وعلى نفس المستوى الشخصي، قبل الجماعي، وكثرة التنقّل قد تشير لأحد أمرين: إما أنه سوء اختيار من البداية، والقدرة على الاتجاه الصحيح ما تزال قاصرة، وذلك محل طعن وضعف في صاحبه، أو أنه سوء في إدارة الخلاف بين تلك المجموعات وبعضها، وفي ظني أن السبب الأخير أرجح.

الأمر الآخر الذي يسترعي الانتباه ضعف تواجد اليسار داخل المجتمع بمكوناته، فلا تجد تعدادا تنظيميا يمكنه أن يؤثر على أي نظام حكم، حتى لو كان ذلك مجموع القوى اليسارية في المجتمع، وربما يرجع جزء من ذلك إلى التشويه الذي أصاب اليسار، سواء من داخله، ببعض الممارسات أو التعبيرات، التي قد تكون صادمة لشرائح واسعة من المجتمع "المحافظ"، أو من خارجه برعاية الدولة الرافضة لأي تواجد معارض لها، إلا أن الجزء الأهم يقع عبء الضعف والتقصير فيه على صاحبه، لا على الأطراف الخارجة عنه، فبخلاف الانقسامات "التي لا تبني تنظيما قويا ومتماسكا" تأتي اللغة والمسميات التي يتفنن أفراد التيار في استخدامها وهي غير مستساغة لدى الشرائح الراغبة في الاستقرار أو المحافظة عموما، ومن المهم الإشارة إلى أن بعضها يتقاطع مع "طريقة" الإسلاميين، فبدلا من لفظ "الأخ" يأتي لفظ "الرفيق" وبدلا من لفظ "الإسلامي" المقحم في كل شيء، تجد لفظ "الاشتراكي" وغير ذلك من مساحات التقاطع.

ربما لم تتكون لدى الكاتب خبرة في تاريخ اليسار ولا حتى الغوص في أفكاره وقناعاته، إلا أن هناك مساحة من الاحتكاك العملي تسمح بالإشارة والنصح لا الحكم على ممارسة "رفاق" الثورة، والمجتمع يحتاج فعلا إلى يسار قوي يقوم على رعاية مصالح العمال والفقراء ويضرب على يد الدولة المتنصّلة من مسؤولياتها الاجتماعية، لذا لزم التنويه لرفقة الميدان.

*مصر

المساهمون