مرثية العربي

09 يوليو 2014
+ الخط -

هل حقاً إن ما كان ينقص العرب، اليوم، هو إعلان قيام دولة الخلافة، ومبايعة مولانا إبراهيم البغدادي خليفة على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؟ هل، فعلاً، عدنا القهقرى أربعة عشر قرناً، لإحياء واجب الخلافة الذي ضيعناه، وتُهنا وراء البحث عنه طوال هذه القرون الطويلة، حتى تفرقنا دولاً ومماليك، تمزقها الحدود التي لا تعترف بها دولة داعشتان العظيمة؟ هل نحن، فعلاً، في العام الثالث للميلاد والهجرة، بعد ثورات "الربيع العربي" التي وعدتنا شعاراتها بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية؟

نام العرب على أحلام "الربيع العربي"، وهم يتطلعون إلى إقامة دولة الحرية والكرامة والعدل، واستيقظوا على كوابيس أمراء دولة "داعش"، القادمين من غياهب التاريخ. لا مكان، اليوم، في عالمنا العربي لبدعةٍ اسمها الديمقراطية، فهي من المحدثات، وهذه، كما قال مولانا إبراهيم البغدادي، مستشهداً بالحديث النبوي الشريف، بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. لا خيار أمامنا بعد اليوم بين عدة مرشحين. فمولانا إبراهيم البغدادي تفضل علينا بقبول إمارتنا، وما علينا سوى تنصيبه أميراً علينا، واجباً شرعياً على كل المسلمين. ولا برامج انتخابية بعد اليوم، ولا وعود انتخابية كاذبة، ففي دولة الخلافة الجديدة، لا رفاهية ولا أمن ولا رخاء، وإنما عليكم بالجهاد والقتال والتحريض عليه. ومن أراد الأمن والرزق والحياة الكريمة، فعليه أن يتقي الله، وإلا فإقامة الحدود تنتظره بالقصاص!

من سرق الحلم العربي؟ حلم الشباب الذين سهروا الليالي، يغنّون أغاني الثورة تحت رصاص الشرطة و"مطاوي" البلطجية في ميدان التحرير، حتى أطاحوا الديكتاتور. حلم المعتصمين في ساحات التغيير في اليمن يعدّون شهداءهم ويلملمون جراح مصابيهم، في انتظار أن يستسلم الديكتاتور الجريح. حلم الشباب الذي ضحّى بدراسته في أميركا وأوروبا وعاد إلى حمل السلاح، في وجه ديكتاتور مجنون في لبيبا. حلم تلاميذ مدارس درعا السورية، عندما تصوروا أن الثورة تشبه فسحة مدرسية، لتعلم الخربشة على جدران قريتهم التي كانت منسية. حلم الشباب المغربي الذي ظن أن الربيع يمكن أن يزهر في شهر فبراير، تكفيه فقط زخات من مطر وأغان كثيرة وشعارات ترفع سقف الحلم عالياً.

حلم شباب دوار اللؤلؤة الذين ناموا تحت النجوم، واستيقظوا على هدير مجنزرات "درع الجزيرة"، ودخان الغاز المسيل للدموع وحرائق خيامهم التي كانوا يحكون تحتها أحلامهم الصغيرة. حلم الشباب العربي في تيه أرض السواد، وتحت كآبة مدن الملح. فلا أحلام ولا وطن بعد اليوم. فالوطن وهم كبير، وبدلاً من الأحلام، تكفينا الأوهام التي بتنا نعيشها في حياتنا اليومية.

هل حقاً فشلت الثورات العربية؟ هل حقاً ذهب دم الشهداء سدى؟ هل حقاً، نحن شعوب جبلت على الإذلال والخنوع والولاء والطاعة العمياء؟ لماذا لا خيار أمام العربي سوى حكم الديكتاتورية والخضوع للاستبداد والتعايش مع الفساد، أو الفوضى المدمرة والقتل على الهوية، أو على لا شيء، إذا رفض مبايعة أمير دولة "داعش" الذي يعدنا ويتوعدنا بالحديد والنار؟

لماذا فشل العرب في إقامة دول ديمقراطية، مثل كل الشعوب السوية في مشارق الأرض ومغاربها؟ لماذا فشلت الأنظمة العربية في توفير حياة كريمة لشعوبها، على الرغم من مليارات البترول والغاز؟ لماذا سقط العرب عند أول امتحان لممارسة الحرية وتجريب اللعبة الديمقراطية؟ لماذا حظنا سيئ إلى هذا الحد، فلا خيار أمامنا سوى حكم عبد الفتاح السيسي أو مبايعة أمير "داعش"؟ ما الفرق بين الاثنين؟ هل فعلاً يوجد فرق بين الديكتاتورية والهمجية؟ لله درنا ما أتعسنا! ضيعنا ثوراتنا ونسفنا أحلامنا، وعدنا إلى بؤسنا اليومي، نرضى به وهو يلفظنا، نحصي انتهاكاتنا، ونضمد جراحنا، وننتظر عفو الديكتاتور عن معتقلينا، ونتابع عاجزين على شاشات التلفزيون كيف يحرق الصهيوني الفتى الفلسطيني حتى الموت، ولا شيء يتحرك في دواخلنا. تباً لنا ما أشقانا!

 

D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).