محمد محمود

04 ديسمبر 2014
شهد الشارع أشرس المواجهات مع الجيش والشرطة (AFP)
+ الخط -
يقبع شارع محمد محمود في طرف "ميدان التحرير" بوسط القاهرة، ويصل بين شارع القصر العيني الشهير وحي عابدين التاريخي، ويعد أحد أهم محاور المرور في وسط العاصمة، على مدخله من ميدان التحرير يقبع مبنى الجامعة الأميركية، وفي منتصفه مكتبتها العتيدة، وهناك في طرفه الثاني مقر وزارة الداخلية، معقل الشرطة العتيد، وأحد مقاصد المشاركين في ثورة يناير 2011 الرئيسية. 

يزيد طول الشارع قليلاً عن كيلومتر واحد، لكنه شهد أحداثاً عدة خلال الثورة المصرية، حيث كان دوماً ممراً لهجوم الشرطة على الثوار في الميدان، بل وهجوم مَن يعرفون بـ"المواطنين الشرفاء"، ومعظمهم تابع للشرطة أو يعمل معها.

لكن شهرته باتت عالمية، بعد أحداث دامية جرت فيه، بدءاً من 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، راح فيها عشرات المصريين، ويحتفل بها الآن قلّة ممّن شاركوا فيها، وسط رفض رسمي كامل، وتهديدات باعتقال مَن يشارك.

شاهد العالم كله، خلال أحداث 2011، قمعاً غير مسبوق للثورة المصرية ومَن شاركوا فيها، على يد الشرطة والجيش الذي كان يحكم البلاد وقتها ويدعي أنه صديق الثورة وحاميها، بينما كانت الأحداث بمثابة الحد الفاصل مع الثوار الذين باتوا يرددون علناً بعدها هتافهم الأشهر "يسقط حكم العسكر".

كثير من المصريين لا يعرفون الشخص الذي يحمل الشارع اسمه، ولا تاريخه، ولا سر بقاء اسمه على الشارع، رغم تغيّر أسماء معظم شوارع وسط القاهرة بمرور السنين. أُطلق الاسم على الشارع نسبة لاسم السياسي المصري الراحل محمد محمود باشا (1877 ـ 1941)، الذي تولى رئاسة الوزارة في مصر مرتين. والرجل ينتمي إلى أسرة سياسية، حيث كان أبوه محمود باشا سليمان وكيل مجلس شورى القوانين‏ وأحد كبار مُلاّك الأراضي الزراعية في صعيد‏‏ مصر، وورث عنه‏ ابنه 1600‏ فدان.

وكان محمد محمود أحد أقطاب الجبهة التي مثّلت مصر في مفاوضات 1936 التي انتهت بتوقيع معاهدة جلاء الإنجليز عن مصر، وعيّن رئيساً للوزراء أول مرة في عهد الملك فؤاد الأول منتصف 1928 وحتى أواخر 1929، بصفته رئيس حزب الدستوريين الأحرار.
وتؤكد المراجع التاريخية أن الرجل كان الوحيد الذي امتلك جرأة تعطيل الدستور، ويعلن الحكم بيد من حديد ليلغي الأوضاع التي نجمت عن الحكم الحزبي. وجُمعت خطب ألقاها‏ في كتاب بعنوان‏ "اليد القوية"، نضح منه أنه لا يحبّذ الحكم الدستوري، رغم كونه رئيس حزب اسمه "الدستوريين الأحرار".

بعدما أصبحت مصر مملكة مستقلة، عيّن محمد محمود باشا مرة أخرى رئيساً للوزارة في الفترة من نهاية 1937 حتى أغسطس/ آب 1939، واحتفظ خلالها بمنصب وزير الداخلية، وبدأت الوزارة أعمالها بحل البرلمان الوفدي، وزيادة صلاحيات جهاز الشرطة وإطلاق يده في البلاد لاعتقال ومطاردة المعارضين.

ومن أهم أعمال مجلس الوزراء خلال تلك الفترة إنشاء وظيفة مفتش عام الجيش المصري، وصدر مرسوم بتعيين عزيز باشا المصري مفتشاً عاماً للجيش. ولأن مصر بعد التخلّص من الملكية في 1952، حكمها الجيش، واستخدم الشرطة لتدعيم حكمه وحماية مصالحه، فإن اسم محمد محمود باشا كان لائقاً تماماً بالشارع الذي يضم مقر وزارة الشرطة المصرية، وربما كان هذا سر عدم تغيير اسمه حتى الان، وربما كان أيضاً سر الهياج الشديد الذي كان يصيب الشرطة والجيش من تمركز الثوار في الشارع وهتافاتهم التي تملأ جنباته، ورسوم الجرافيتي التي تزيّن جدرانه.

ظل الشارع بعد تلك الأحداث مزاراً للمصريين والأجانب، ومَعلَما لأيام ثورة كانت تتوارى، انطلقت منه عشرات التظاهرات، ونظمت فيه عشرات الوقفات، وتغيّرت رسوم "الجرافيتي" على جدرانه عدة مرات، إما لأن النظام الحاكم كان يزيلها، كونها تعبّر عن اجرامه وتذكّر بضحاياه، وإما لتغييرها لتضم مجرمين جدداً، أو متورطين آخرين.

ظل شارع محمد محمود مصدر إزعاج شديد للمجلس العسكري الذي حكم البلاد خلفاً للرئيس المخلوع حسني مبارك، وبطريقته نفسها، كما تحوّل في عهد الرئيس المنتخب محمد مرسي إلى مصدر هجوم رئيسي على جماعة الإخوان، وحمل اسمه أشهر جُمل اتهامهم بالتخلي عن الثورة "باعونا في محمد محمود"، وفي ذكرى الأحداث في عهد مرسي، رفع المشاركون لافتة على مدخله كُتب عليها "ممنوع دخول الإخوان"، عقاباً لهم على اعتماد رواية وزارة الداخلية وقتها وتكذيب روايات الثوار.
المساهمون