قضاة الهوى

03 ديسمبر 2014
القضاء في مصر يعمل وفقاً لهواه (Getty)
+ الخط -

"من ولِيَ القضاء ذبح بغير سكين"، بهذا الحديث النبوي الشريف استهل المستشار الرشيدي حكمه في قضية المخلوع مبارك، وعندي في تأويل الحديث وفقا لمجريات أيامنا هذه نظر، فالقاض قبل أن يذبح بولايته تلك فإنه قد يذبح أناسا آخرين بأحكامه، إما بإدانته لمظلوم، أو بتبرئته لظالم.

"حرية القاض الجنائي في تكوين عقيدته"، قد تصب الأدلة كلها في اتجاه معين، بينما تتجه عقيدة المحكمة وضميرها في تقدير تلك الأدلة إلى اتجاه آخر. في جنحة الامتناع عن تنفيذ قرار الإزالة مثلا، يستلزم القانون لتغريم المتهم أن يكون قد استلم قرار الإزالة بخطاب موصى عليه بعلم الوصول، ومع ذلك نجد بعض القضاة يغرمون المتهم حتى ولو لم يعلن بالقرار، سألنا أحد القضاة لماذا؟ قال لأنني متأكد من أن المتهم يعلم أنه قد صدر له قرار إزالة ورفض استلام الخطاب هربا من العقوبة، هنا لم يطبق القاض صحيح القانون وإنما حكم بعقيدته، أو إذا أردنا أن نسمي الأشياء بمسمياتها فإنه قد حكم بهواه. "الشك يفسر لصالح المتهم"، حيث أن مجرد شك القاض الجنائي في دليل الثبوت فإن شكه هذا يفسر بما يتيح له تبرئة ساحة المتهم.

في بلدتنا محفظ قرآن اسمه الشيخ أنور شعبان، اتهمه بعض المواطنين الشرفاء بالاعتداء عليهم إبان تظاهرة لدعم الشرعية، في حين أن الجميع يعلم أنه في هذا التوقيت كان يصلي على متوفي بعد أن قام هو بتغسيله، وقد أدليت أنا شخصيا بشهادتي المؤكدة لذلك أمام قاضي التجديد، وشهد بنفس الشهادة أبناء المتوفي، إلا أن القاضي لم يعتد بتلك الشهادة ولم يزل الشيخ أنور محبوسا إلى الآن.


لماذا؟

لأن القاضي لم يفسر الشك الذي زرعته شهادتنا في أدلة الثبوت التي لم تتعدى تحريات المباحث وشهادة المواطنين الشرفاء لصالح المتهم، وإنما أعمل الثابت بالأوراق فقط، وفسر الشك ضد مصلحة المتهم.

"استعمال الرأفة"، قد تقتنع المحكمة وفقا للثابت بالأوراق بإدانة المتهم ولكنها لظروف شخصية تتعلق بالأخير ترى استعمال الرأفة معه.

أمام محكمة الجنح المستأنفة حكمت المحكمة على سيدة تحمل رضيعا على كتفها بتأييد الحكم الصادر من محكمة أول درجة بحبسها سنة بتهمة البناء على أرض زراعية، تطوع بعض المحامين ودخلوا للهيئة الموقرة غرفة المداولة واستسمحوها باستبدال الحكم الصادر بحبس السيدة بتغريمها رأفة برضيعها. خاصة أن القانون نص في جريمتها على عقوبة الحبس والغرامة أو إحدى العقوبتين، فما كان جواب رئيس المحكمة إلا أن قال "الحكم زي الطلقة، والطلقة لو طلعت ماينفعش ترجع".


في الختام

ومع كل ما تقدم يمكنني القول أن القضاء في مصر يعمل بهواه الذي لا ينحاز للبسطاء إلا قليلا، وإنما هو مسخر لتقنين خدمة أقران القضاء من أصحاب النفوذ.

سيدي القاض قبل أن تثار غيرتك على هيبة القضاء وكرامته أجب على التالي: عندما يهدر القاضي دليل البراءة في جنحة الامتناع عن تنفيذ قرار الإزالة ويحكم بالإدانة وفقا لعقيدته، بينما برأ الرشيدي ساحة مبارك إعمالا للأوراق وتجاهل عقيدته التي لا شك في أنها متيقنة من إدانة المخلوع بالفساد والقتل، وعندما يفسر الشك لصالح المخلوع ويهدر في قضية الشيخ أنور، وعندما تستعمل الرأفة مع إمبراطور الحديد لمتهم بنهب ثروات الوطن وتخفض عليه الغرامة بينما يخرج الحكم كالطلقة في وجه أم الرضيع المتهمة بالبناء على أرض زراعية، بماذا تسمي ذلك؟

لا أقول إن كل قضاة مصر كذلك، وإنما وعلى سبيل افتراض حسن النية، فإن البعض منهم لا يرى في أحكامه إلا ما يرضي الله وضميره الراسخ، وتلك كارثة، فإن الثوب يتدنس لو أصاب الدنس طرفه، فما بالك بمنظومة نراها موكلة بالعدل؟ أما عن الحديث عن أن الكمال لله وحده، فلماذا تنزعج المنظومة القضائية من المساس بها وتجرم التعليق على أحكامها مادامت عرضة للصواب والخطأ، كما أن الله ذاته لم يعد محصنا من التعليق على أحكامه، بل ومعارضتها، وقد يصل الأمر إلى السخرية منها عند البعض.

سيدي القاضي هذا ليس تعليقا على أحكامكم، وإنما هو تعليقا على القضاء نفسه، وفي النهاية أتوجه إلى مقامك الرفيع بالاعتذار إن كنت قد جرحت معالي سيادتك في هيبتك وكرامتك، وألتمس من عدالتك أن تعتبرني لو ثبتت لديك إدانتي "جاي ألعب"، كما قال السيد وكيل النائب العام.

المساهمون