على هامش قمم مكة

06 يونيو 2019
+ الخط -
بالتزامن مع يوم القدس العالمي الذي احتفلت به حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة والضفة الغربية، تمت فعاليات ثلاث قمم خليجية وعربية وإسلامية في مكة المكرمة، استجابة لدعوة العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، على خلفية الاعتداء على آبار للنفط وأربع سفن إماراتية في مرساها، بالتزامن كذلك مع الموعد المرتقب لصفقة القرن مع أنباء عن تأجيلها لخلافات داخل الكيان الإسرائيلي والإعلان عن حل الكنيست، وخوض انتخابات أخرى، في عملية قد تستغرق على الأقل ثلاثة أشهر، ما ينبني عليه تأجيل كل الإجراءات المتصلة بعملية صفقة القرن المزعومة.
وعلى غير المتوقع، ظهر بعض هؤلاء الزعماء في حالة انكسار بعد تغيير الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، استراتيجيته وخطابه تجاه إيران، على الرغم من الابتزاز المفتوح للمملكة وقادتها في مقابل حماية الملك سلمان وولي عهده، كما صرح بذلك ترامب في أكثر من مناسبة، إذ نجد تغيّرا جذريا في خطابه تجاه إيران، حيث أشاد بقيادتها، وأنه على استعداد لتدخل أي وساطة للجمع بين الطرفين، الأميركي والإيراني، على طاولة حوار غير مشروط، في وقتٍ تفرض إيران شروطها وتوجّه خطابا مغايرا للقمة العربية، بأنها على استعداد للدخول في معاهدة مع الجانب العربي، لكفّ "الأذى" عنه شرط أن تغير المملكة سياستها ولهجتها تجاهها، والمتابع لكلمات المشاركين يلاحظ عدة نقاط مهمة، منها: خطاب العجرفة والتلويح بالقوة تجاه إيران قد خفّت حدته، ووضوح التخلي الأميركي عن الخليج في مقابل محاولة استمالته لإيران وقيادتها، وتشديد اللهجة تجاه الكيان الصهيوني، ووصفه بالاحتلال بعدما اختفت تلك الصفة في الأشهر الماضية، والتأكيد على محورية القضية الفلسطينية.
وعلى خلفية كل ما سبق، حمل البيان الختامي في كل قمة عددا من الثوابت، ومنها أن القدس لا يمكن التخلي عنها عاصمة لدولة فلسطين، وأن على الاحتلال الإسرائيلي أن يتخلى عن الأراضي التي احتلها بعد 1967. وفي يوم القدس العالمي، وجه رئيس حركة حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار، رسالته القوية للقمة المنعقدة، قائلا: "إن إيران زودت المقاومة بالصواريخ"، ليختم رسالته الموجهة: "إما أن تسجَل أسماؤكم في التاريخ ويرفع ذكركم أو تسجل في التاريخ وتلعنكم الأمم".
وبينت تلك الرسالة القوية للقمة العربية من قلب غزة نقاطا مهمة عن مصادر التسليح لدى المقاومة الفلسطينية ومدى قوتها وتطورها، وأنه في حالة حصول اجتياح إسرائيلي على غزة فسيكون بمثابة إعلان حرب لن تكون سهلة، حتى لو كان الأسطول الأميركي قابعا في الخليج العربي، فإسرائيل في هذه الحالة في موقف المحاصر من غزة ولبنان، حيث حزب الله، والمملكة ذاتها، وقد طاولت صواريخ الحوثي مدينة الرياض، مع تدهور الوضع الأمني في سيناء وخروجه عن سيطرة الجيش المصري، ليصبح لزاما على إسرائيل أن تتخذ جانب التهدئة والتأجيل لقرار الصفقة المشبوهة بحجة حل الكنيست، وسوف تبحث عن حجة أخرى، خصوصا في ظل المشكلات المتفاقمة لإدارة ترامب في واشنطن.
تاريخيا، لا نستطيع تبرئة إيران من رغبتها بالتحكم بالمنطقة، والولايات المتحدة تدرك تلك الحقيقة جيدا. ومع ذلك، هناك تغير ولو جزئي في السياسات الأميركية تجاهها. لغة المصالح هي المحرك الأكبر لكل الدول، وأميركا تدرك اليوم حجم القوة الإيرانية، وأنها قد تمثل خطرا على مصالحها في المنطقة إذا دخلت معها في حرب بشكل مباشر، وأما علاقتها بباقي دول الخليج، فهي علاقة الكفيل بالموظف، وتلك العلاقة تدركها المملكة جيدا، وقد قبلت بها منذ رغبة محمد بن سلمان في الحصول على ولاية العهد وخوضه حربا داخلية كانت البلاد فيها الخاسر الأكبر.
أظهرت القمتان، العربية والإسلامية، في مكة الشروخ الخطيرة في الصف العربي، وعرّت حالة الضعف والانقسام، ما ساهم في صدور خطاب هادئ تجاه الجانب الإيراني، لن ينبني عليه أي فعل، وخطاب رديء تجاه فلسطين، لا يتناسب مع حجم الشرق الإسلامي.
13270612-18EF-4EC9-83F9-3E0A14D243E7
13270612-18EF-4EC9-83F9-3E0A14D243E7
عزة مختار (مصر)
عزة مختار (مصر)