عصفورة مصطفى بكري

19 فبراير 2016

يتحرك مصطفى بكري لتشتيت الانتباه عن فشل النظام (Getty)

+ الخط -
في خضم الأحداث المتلاحقة بالفشل تلو الفشل، أفلست عصفورة مصطفى بكري إفلاساً شديداً، فحاولت أن تبحث، في دفاترها القديمة، للتغطية على فشل الأحداث والنكبات، فطارت إلى الصعيد، علّها تجد لها عشاً هناك، بعدما خذلتها الأحداث المشينة لأمناء الشرطة في مستشفى المطرية، وما نتج عن تلك الأحداث من وقوف عشرة آلاف طبيب أمام دار الحكمة في شارع قصر العيني، وعلى قاب قوسين أو أدنى من ميدان التحرير. شعرت بعدها السلطات بالحرج والخطر معاً، فهل من عصفورةٍ تشتت الأنظار، وهل هناك أكثر لياقةً من مصطفى بكري وعصفورته؟ فطارت العصفورة بأمر الأجهزة الأمنية، لكي تفتعل معركةً تحت مسمى الشرف التليد في بطحاء مكة، ذلك الشرف الذي جارت عليه (قبيلة السبكية) في وضح النهار مع خيري رمضان. طارت العصفورة كي تستدعي (داحس والغبراء وعنترة وقصي وكلاب)، ومعهم بالربابة جابر أبو حسين وأبو زيد الهلالي وقمصان والخضرة الشريفة أيضاً، كي يردوا (ابن السبكية) عن حوض الخضرة الشريفة، وهي خارجة من الحمام الذي يقع بعيداً عن مضارب القبيلة، ومن حولها الخصيان والغزلان المرقطة والجواري، ذلك الفاجر الذي لاك أعراض الصعيد من شهرين ونصف، في حديث لم يهتم به أحد ساعتها، نظراً لأحوال الفقر الشديد والدماء والقتل المنتشر في طول البلاد وعرضها، وطاول حتى شاباً إيطالياً يدرس في القاهرة (مرة يقولون عنه إنه شمال، ومرة يقولون عنه، قد يكون المستفيد من قتله هم "الإخوان المسلمون" كما ذكر العالم الاجتماعي الذي لا يشق له غبار دكتور سعد الدين إبراهيم، فور استدعائه كي يدلو بدلوه في الأحداث الجسام، والرجل طبعاً جاهز لكل مصيبة ترفع أسهمه، فانهارت السياحة الإيطالية هي الأخرى، ولحقت بالروسية والبريطانية).
ترك بكري ذلك كله، لأنها أشياء لا تنفخ أوداجه، وتوجه بالعصفورة إلى الصعيد، لأن هناك يمكن له أن يهز أعواد المنابر في سهولةٍ ويسر، فأرسل العصفورة إلى هناك، كي تستفز القبائل والموالي والبدريين والأحديين، لكي يجهزوا خيلهم وسيوفهم وتروسهم من أجل (ابن السبكية). والصعيد مادة ثرية للغضب، توفر عليه فلوس حلقتين أو ثلاث من أجرة الضيوف أو الإعداد، ولا تكلفة سوى ثمن المكالمات.
نحن، إذن، أمام بالوعة إعلامية، تديرها عصفورة، تتلقى الأوامر، لتشتيت الانتباه عن الفشل. ذلك كله أمام كباري تنهار، تنفذها القوات المسلحة وتنهار بعد أسابيع، وجلسات مجلس شعب يستحون من إذاعتها على الهواء مباشرة، فلماذا لا يشغل مصطفى عصافيره؟ خصوصاً وأن حوادث وموتى القطارات والأتوبيسات وحرائق المصانع كل يوم وساعة، علاوة على فضيحة السجادة الحمراء التي مرة تكون صبغة حمراء، ومرة تكون من قماش رقيق، حتى الطالب حافظ القرآن (طلع فنكوش)، فما أحوجهم فعلاً لمصطفى بكري وعصافيره. ويا حبذا لو كان المرحوم الشاعر، عبدالرحمن الأبنودي، على قيد الحياة، ووجد له في السيرة الهلالية ما يشد العزم لقتال (ابن السبكية) حتى وإن فرّ إلى تونس ليلاً. والجميع طبعاً يدعو الله في كل صلاة أن تزول هذه الغمّة عن الناس، وعن مصر وزرعها وضرعها، لكي يجمعوا محاصيلهم، وخصوصاً بعدما جهزوا سيوفهم لمعركة سد النهضة للدفاع عن حصتهم في المياه، بعدما حرّم زعيمهم على نفسه أكل السمن، حتى يسترد مياه النهر كاملة بلا نقصان.
تأسّف فريق الإعداد لمصطفى بكري، حتى تكون الجنازة كاملة، وذلك بسبب موت العم جابر أبو حسين، من دون أن يعرفوا أن عم السيد الضوي ما زال على قيد الحياة، وكان في وسعه أن يزيده من الشعر بيتاً، كي يطمئن مصطفى بكري على ميدان التحرير، وهو يُرى في الصور خالياً تماماً أمام سيارات الزعيم ودراجاته البخارية، في قلب عاصمةٍ سرقت ثورتها، وجلست حزينة في البيوت، كما كان يحدث لها خلال ثلاثين سنة مضت.