جواسيس الشاشات الصغيرة

20 أكتوبر 2014
الهويّات التي اخترناها بأنفسنا وليس الهويّات التي أُسقطت علينا(Getty)
+ الخط -

نفتح كتاب الوجوه مع قهوة الصباح ونغلقه مع المساء، عندما نخلد إلى النوم. صغُرَ عالمنا كثيراً حتى بات بالإمكان احتواؤه في شاشة، نقضي يومنا أمامها في العمل أو في المنزل، أو نتسلّل إليها من هاتف لا يفلت من أيدينا بتاتاً.

نبحث في هذا الكتاب، الذي ألّفه لنا شاب ثلاثيني، عن صورتنا الأجمل التي نشتهيها. الصورة التي نوصل من خلالها أنفسنا للآخرين، من دون أن تكون صورتنا صحيحة بالضرورة. نقول في الصور التي نتشاركها مع الأصدقاء إننا جميلون. إننا سعداء. إننا ضاحكون دوماً. إننا مقاتلون أشدّاء وأقوياء. والناس تحبّ صورة الجمال والقوة والسعادة، وتطمح إليها وتقدّرها وتعتدّ بها. لذلك نقدّم للناس ما تحبّ أن تراه.

ليست كل ابتسامة أو ضحكة نتقاسمها حقيقة تامة. وليس كل "ستاتوس" صحيحاً. غير أن "الكتاب الأزرق" فرصة لتلوين الأبيض والأسود الذي نعيشه، ومساحة مثالية لتجميلنا. يدفعنا إلى أن نكون مثلما نحبّ أن ترانا الناس، لا مثلما نحن على حقيقتنا ومثلما تضمر أنفسنا. نصير الصور البريئة للأطفال والإطلالات السّاحرة للنجوم وكلمات الشعراء وألحان الأغاني التي نتوزّعها. نبحث عن الأصابع التي تضغط "لايكات" كثيرة. نعدّها، وندعو لها بالتكاثر.

نتنافس لجمع أكبر عدد من المعجبين كي نصير نجوم شاشات وهميّة في عالم خياليّ نتسلّى فيه بعيداً عن عالمنا الحقيقي. عالم ندخل إليه كي نعرف عن بعضنا أكثر ونكتشف خفايا وأسرار بعضنا البعض. كي نسّوق لأفكارنا ومشاريعنا. كي نبحث عن ماضٍ هرب منّا أو مدينة ضللنا الطريق إليها بعدما أبعدتنا المسافات. كي نتجسّس على بعضنا أكثر ونمارس النميمة. نحن جواسيس شاشاتنا الصغيرة.

تقول الصبية ضاحكة إنها تفضّل أن تُسرق سيارتها على أن يُسرق حسابها الشخصي على "فيسبوك". الصبية اللطيفة، المتعلّقة بصورتها إلى أقصى حدّ، مثلنا كلّنا، لا تمزح. تقول كلامها بجدّية وبثقة تامة. فالحساب الافتراضي الذي تعلّقت به وصارت لا تحتمل خسارته هو هويّتها، وهويّتنا جميعاً. الهويّات التي اخترناها بأنفسنا وليس الهويّات التي أُسقطت علينا.
في كتابنا اليومي هذا الذي صار محوراً أساسياً من يومياتنا نمارس التلصّص على بعضنا بشكل متبادل ومحسوب. نعرف كلّنا أننا نمارس تلصّصاً جماعياً ونستمتع باللعبة الغريبة. وسوف نظلّ نتلصّص طوال الوقت ولن نتوقف عن ذلك.

ترى ماذا قد يحدث لو قرّر صاحب الكتاب الأكثر قراءة إغلاقه في وجوهنا إلى الأبد؟ ما تراه قد يحلّ بنا عندها؟
المساهمون