الاحتلال وأطفال الـ12 عاماً... على خطى أوغندا وإريتريا

12 نوفمبر 2015
سجن الأطفال برعاية وزيرة العدل آييلت شاكيد(سيف دحلاح/فرانس برس)
+ الخط -
تكاد وزارة العدل الإسرائيلية تنتهي من استكمال مذكرة قانون تتيح فرض أحكام بالسجن على القصَّر الفلسطينيين بدءاً من عمر 12 عاماً. الاقتراح الذي تقف في مقدّمته وزيرة العدل، آييلت شاكيد، لا يميّز بين قاصرين ارتكبوا مخالفات من منطلقات قومية أو جنائية، ويجتهد القائمون عليه للترويج لهذه الفكرة، لكنه على أرض الواقع، يأتي لاستهداف الفتية والأطفال الفلسطينيين ممن يلقون الحجارة أو الذين تزعم إسرائيل قيامهم بعمليات ضد إسرائيليين.

وبادرت الوزارة إلى هذا الاقتراح، بعد العملية التي وقعت في مستوطنة "بسغات زئيف" في القدس المحتلة قبل نحو شهر، واعتقلت في أعقابها الطفل أحمد مناصرة البالغ من العمر 13 عاماً، بتهمة طعن مستوطنيْن، والذي تفنّنت في تعذيبه النفسي (وفقاً للفيديو المسرّب)، كما يأتي في ظل ازدياد عدد الأولاد والفتية الفلسطينيين الذين يدّعي الاحتلال مشاركتهم في عمليات ضد الإسرائيليين في العام الأخير.

وبحسب هذا القانون، يتحمّل الأولاد مسؤولية جنائية من عمر 12 عاماً، ولا يمكن معاقبة من هم دون هذه السن. ويمكن اعتقال الأولاد من عمر 12 و14 عاماً والتحقيق معهم، ويرسلون بعد إدانتهم إلى معاهد علاجية، حيث يمكن أن يمكثوا فيها حتى يصبحوا في الـ20 من عمرهم، ويُحكم بالسجن على من هم في الـ14 من عمرهم.

بيْد أن اقتراح القانون الجديد، الذي بدأت تكتمل ملامحه، يتيح للقضاة فرض عقوبة السجن على من هم دون سن 12 عاماً، لكن السجن الفعلي يبدأ من جيل 14 عاماً، وحتى ذلك الحين، يتم احتجازهم في مؤسسة مغلقة، ما يعني سجنهم تحت غطاء "مؤسسة".

يتعارض اقتراح القانون، بحسب مؤسسات حقوقية، مع مبادئ الحفاظ على حقوق الأولاد، التي تولي أفضلية لإعادة "تأهيل" القاصرين بدلاً من معاقبتهم. كما يتعارض مع أحكام المحكمة العليا الإسرائيلية، التي أكّدت في أكثر من موقف أن حال السجون لا تلائم الأولاد ويمكن أن تلحق بهم أذى كبيراً.  

وسبق أن أجرى الكنيست الإسرائيلي، في الفترة الأخيرة، تعديلات على قانون العقوبات، دخلت حيّز التنفيذ هذا الأسبوع، تشدّد العقوبات المفروضة على راشقي الحجارة، إذ يمكن أن تصل إلى السجن 20 عاماً، ولا تقل عن خُمس تلك المدة في حدّها الأدنى. كما تتيح التعديلات للمحكمة حرمان عائلات الأولاد المتهمين في قضايا أمنية من مخصصات التأمين الوطني خلال فترة سجن أبنائهم، وتغريم الوالدَين أو فرض تعويضات عليهما.

اقرأ أيضاً: أحمد مناصرة... رمز معاناة أطفال فلسطين على يد الاحتلال

ويرى الكاتب في صحيفة "هآرتس"، عيدان باؤوم، أن المؤسسة الإسرائيلية تسير على خطى أوغندا وإريتريا بدل أن تتعلم من تجارب أوروبا. ويلفت إلى أنّ عدد القاصرين الذين يرتكبون مخالفات خطيرة، كالقتل، والاغتصاب، واعتداءات عنيفة قبل جيل 14 عاماً، يكاد لا يذكر، وإن كان اقتراح القانون الذي يجري إعداده يستهدف بالأساس القاصرين الذين ينفّذون عمليات طعن أو يلقون حجارة على خلفيّة قومية، حتى وإنْ بدت صيغة القانون ظاهرياً محايدة بين جنائي وقومي.

ويضيف الكاتب في مقاله أنّ "مذكرة القانون تبعد إسرائيل عن مجموعة الدول التي كنّا نودّ التشبه بها. في معظم الدول المتقدمة، جيل المسؤولية القانونية هو 14 عاماً، ولا يمكن محاكمة قاصر على خلفية جنائية تحت هذه السن، وبالطبع لا يمكن إصدار حكم بالسجن ضده. مذكرة القانون تقرّب إسرائيل إلى دول مثل أوغندا وإريتريا، إذ يمكن حبس أولاد تحت سنّ 12 عاماً".   

من جانبه، يؤكد مدير مؤسسة "ميزان" الحقوقية في الأراضي المحتلة عام 1948، المحامي مصطفى سهيل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "إقحام البنود المتعلّقة بالجانب الجنائي، هو مجرد محاولات لتحسين صورة القانون، لكن من الواضح أنه يأتي لاستهداف الأطفال الفلسطينيين فقط، وهناك من يقول هذا بكل صراحة ولا يخجل بذلك من داخل وخارج حزب الليكود. ومن الممكن منح المحاكم صلاحية تتيح لها استخدامه وفق ما تراه مناسباً. وبالتالي، يوظّف فقط في حالة الفلسطينيين دون الأطفال اليهود، فهو ليس موجهاً لهم، وهذه إمكانية واردة".

ويقول سهيل "بحسب معطياتي، ستكون إسرائيل التي تنسب نفسها للغرب الدولة الأولى من بين الدول الغربية، التي تحكم بالسجن على أطفال دون سن 12 عاماً. وبالنسبة للقوانين والمواثيق الدولية التي تتناول هذه الشريحة العمرية، فإسرائيل لطالما ضربتها بعرض الحائط، كما تمتنع عن التوقيع عليها، بل أكثر من هذا، تعتبر نفسها من أرقى وأسمى الدول أخلاقياً على الرغم من جرائمها وجرائم جيشها". ويوضح مدير المؤسسة أنّ "مذكرة القانون الجديدة تضاف إلى حزمة قوانين تهدف لمجابهة أي احتمال لمقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال والاستيطان والاقتحامات للأماكن المقدسة، وتبعث برسالة أنها لن ترحم حتى الأطفال، وستمضي في ممارساتها".

وحول الإمكانات المتاحة أمام المؤسسات الحقوقية في الداخل الفلسطيني لمجابهة هذه القوانين، يجيب سهيل أنه "على مستوى القانون الإسرائيلي والمحاكم الإسرائيلية، نفضنا أيدينا مما يُسمى محكمة العدل العليا الإسرائيلية وتدخلها لمنع قوانين عنصرية، لأن التجربة تثبت أن مؤسسات حقوق الإنسان فشلت في إلغاء قوانين عنصرية حتى من خلال هذه المحكمة. لذلك، المجال الوحيد هو المجال الدولي، وإن كان لا أسنان له، وما يبقى، هو عبارة عن تقارير تُقدّم لمجلس حقوق الإنسان ولمؤسسات وهيئات دولية لتعرية وجهة إسرائيل وفضحها ونسف أسطورة الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط".

اقرأ أيضاً: إسرائيل قتلت نحو ألفي طفل فلسطيني منذ عام 2000‏

دلالات